• 2021-08-16

رذاذ

السحر الحلال

لقد حرص دين الإسلام على تدعيم العلاقة بين المسلمين بكل الوسائل والطرق، وفي جميع الأحوال والظروف.. ومن هذه الوسائل التي تقوي علاقة المسلم بأخيه المسلم، وتجعله محبوباً بين الناس (التبسم وطلاقة الوجه).

البسمة آية من آيات الله، ونعمة ربانية عظيمة.. إنها سحر حلال.. تنبثق من القلب، وترتسم على الشفاه، فتنثر عبير المودة، وتنشر نسائم المحبة، وتقتل عُقَد الضغينة والشحناء والبغضاء، لتُحِلَّ محلها الألفة والإخاء.

عن عبدالله بن الحارث قال (ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) ويقول جرير بن عبدالله رضي الله عنه (ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي) كل هذه الأحاديث الشريفة تشير إلى سر البسمة في التأثير على القلوب.

ثم يأتي التأكيد النبوي على كون الابتسامة عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، وصدقة يبذلها المسلم فيكسب من خلالها قلوب الآخرين.. يقول صلى الله عليه وسلم (تبسمك في وجه أخيك صدقة).

ولو نظرنا في الجانب العملي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم سنجد أن البسمة لا تفارق محياه الشريف، فكان دائم التبسم عليه الصلاة والسلام حتى آخر يوم في حياته يوم خرج على المسلمين ليودعهم.. يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: بينما المسلمون في صلاة الفجر من يوم الاثنين، وابوبكر يصلي بهم، لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، فتبسم يضحك.

من هنا تأتي أهمية هذا السلوك في حياتنا، فهو اقتداء عملي بخلق عظيم من أخلاق النبوة، ثم هو أداة عملية من أدوات اختراق القلوب، والتأثير في النفوس، وكسب العلاقات بين الناس.

ما أحوجنا إلى أن ننشر هذا الخلق العملي الجميل شكلاً ومضموناً، لننشر من خلاله المحبة التي هي أساس لبناء المجتمع.. ما أحوجنا إلى أن يبتسم الأخ في وجه أخيه، والجار في وجه جاره، في زمن طغت فيه الماديات، وقلَّت فيه الألفة، وكثرت فيه الصراعات والعداوات.

ما أحوجنا إلى تبسم الرجل في وجه زوجته، والمرأة في وجه زوجها، في زمن كثرت فيه المشاكل الزوجية، وغصَّت فيه المحاكم بقضايا الخلافات الأسرية.

ما أحوجنا إلى تبسم المدير في وجه موظفيه، ليستميل قلوبهم، ويرفع معنوياتهم بعيداً عن التكبر والتسلط.. ما أحوجنا إلى ابتسامة التاجر، ليكسب القلوب، وتحلّ عليه البركة، ويكثر رزقه، وتدركه رحمة الله (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى).

ما أحوجنا عموماً إلى البسمة التي تغسل القلوب، وتؤلف بين النفوس، وتجمع الشمل، وتُحلُّ السلام والمودة بين أبناء الأمة الواحدة.

ما أحوجنا إلى أن نربي أنفسنا على بذل هذه الصدقة المجانية، لكي نسع الناس بأخلاقنا وحسن تعاملنا.

والله من وراء القصد

آخر أخبار الشيخ عبدالناصر عبدالله

  • ريح يوسف ورجاء يعقوب

    2022-12-22

    سورة يوسف سماها الله أحسن القَصص لأنها تضمَّنت من الأحداث ما يظنه الواحد منا لأول وهلة أنها مصائب ومحِن، غير أن المتأمل في نتائجها يجد أنَّ رحمة الله الرحمن الرحيم تتجلى في ثنايا هذه المحن، لتحيلها مِنَحاً وعطايا. قصة بدأت برؤيا، تم تعبيرها من قِبَل...

  • عيسى بن محمد.. النَّبع الذي مايزال يتدفَّق

    2022-10-18

    لا أدري ما الذي دفعني في هذه اللحظة، وأوجَد الرغبة في نفسي أن أكتب عن عيسى بن محمد؟! هكذا فجأة.. وجدت نفسي أريد أن أكتب عنه.. لا أدري لماذا؟! هل لأنني فقدت المرجع الذي كلما أردنا الفصْل في بعض القضايا بحكمة وتعَقُّلٍ ذهبنا إليه؟! هل لأنني فقدت صاحب...

  • سِلْفي مع الكعبة

    2022-08-17

    جاء في الحديث (إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء) في إشارة إلى لفتة تربوية نبوية تربِّي المسلم على أهمية تجريد القصْد في العبادة من كل شيء وصرْفها لله وحده امتثالاً لقوله تعالى"وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّ...

  • الاستغفار.. ضمانٌ وأمان

    2022-07-16

    إنه طاعة من أعظم الطاعات، وقُربة من أنفع القُرُبات.. شُرِعت في كل وقت وحين.. لاتأخذ منك كثير جهد ولا وقت، لكنها من حيث أثرها تزن الجبال الراسيات. وهو عبادة تعقُب العبادات، كالصلوات وقيام الليل والحج وسائر العبادات، وتُختَم بها المجالس طلباً للصفح وا...

  • رحيل العظماء

    2022-06-18

    لعمرك ما الرزية فَقْدُ مالٍ ولا شاةٌ تموت ولا بعيرُ ولكن الرزيةَ فَقْدُ فَذّ يموت لموته خَلقٌ كثيرُ إن رحيل العظماء والعلماء والدعاة والمصلحين مصيبة شديدة الوقْع على الأمة كلها، لأن في ذهاب هؤلاء ذهاباً للعلم الذي يحملونه، وتوقُّفاً للدعوة التي ي...

  • علوٌّ في الحياة وفي الممات

    2022-04-20

    من المواقف البطولية الخالدة موقف الصحابي الجليل عمرو بن الجموح رضي الله عنه، وهو أحد أصحاب الأعذار الذين أجاز الله لهم التَّخَلُّف عن القتال بسبب إعاقته لأنه أعرج، والله تعالى يقول "لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَ...